فصل: قال السمرقندي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

واعلم أنه تعالى لما ذكر في الآية المتقدمة قوله: {وَنُودُواْ أَن تِلْكُمُ الجنة أُورِثْتُمُوهَا} [الأعراف: 43] دل ذلك على أنهم استقروا في الجنة في وقت هذا النداء فلما قال بعده: {وَنَادَى أصحاب الجنة أصحاب النار} دل ذلك على أن هذا النداء إنما حصل بعد الاستقرار، قال ابن عباس: وجدنا ما وعدنا ربنا في الدنيا من الثواب حقًا فهل وجدتم ما وعدكم ربكم من العقاب حقًا؟ والغرض من هذا السؤال إظهار أنه وصل إلى السعادات الكاملة وإيقاع الحزن في قلب العدو وهاهنا سؤالات:
السؤال الأول: إذا كانت الجنة في أعلى السموات والنار في أسفل الأرضين فمع هذا البعد الشديد كيف يصح هذا النداء؟
والجواب: هذا يصح على قولنا: لأنا عندنا البعد الشديد والقرب الشديد ليس من موانع الإدراك، والتزم القاضي ذلك وقال: إن في العلماء من يقول في الصوت خاصية إن البعد فيه وحده لا يكون مانعًا من السماع.
السؤال الثاني: هذا النداء يقع من كل أهل الجنة لكل أهل النار أو من البعض للبعض؟
والجواب: أن قوله: {وَنَادَى أصحاب الجنة أصحاب النار} يفيد العموم والجمع إذا قوبل بالجمع يوزع الفرد على الفرد، وكل فريق من أهل الجنة ينادي من كان يعرفه من الكفار في الدنيا.
السؤال الثالث: ما معنى {أَن} في قوله: {أَن قَدْ وَجَدْنَا}.
والجواب: إنه يحتمل أن تكون مخففة من الثقيلة، وأن تكون مفسرة كالتي سبقت في قوله: {أَن تِلْكُمُ الجنة} [الأعراف: 43] وكذلك في قوله: {أَن لَّعْنَةُ الله عَلَى الظالمين}.
السؤال الرابع: هلا قيل: {مَا وَعَدَكُمُ رَبُّكُمْ حَقّا} كما قيل: {مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا}.
والجواب: قوله: {مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقّا} يدل على أنه تعالى خاطبهم بهذا الوعد، وكونهم مخاطبين من قبل الله تعالى بهذا الوعد يوجب مزيد التشريف.
ومزيد التشريف لائق بحال المؤمنين، أما الكافر فهو ليس أهلًا لأن يخاطبه الله تعالى، فلهذا السبب لم يذكر الله تعالى أنه خاطبهم بهذا الخطاب بل ذكر تعالى أنه بين هذا الحكم.
أما قوله تعالى: {قَالُواْ نَعَمْ} ففيه مسائل:
المسألة الأولى:
الآية تدل على أن الكفار يعترفون يوم القيامة بأن وعد الله ووعيده حق وصدق ولا يمكن ذلك إلا إذا كانوا عارفين يوم القيامة بذات الله وصفاته.
فإن قيل: لما كانوا عارفين بذاته وصفاته، وثبت أن من صفاته أنه يقبل التوبة عن عباده، وعلموا بالضرورة أن عند قبول التوبة يتخلصون من العذاب، فلم لا يتوبون ليخلصوا أنفسهم من العذاب؟ وليس لقائل أن يقول إنه تعالى إنما يقبل التوبة في الدنيا لأن قوله تعالى: {وَهُوَ الذي يَقْبَلُ التوبة عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُواْ عَنِ السيئات} [الشورى: 25] عام في الأحوال كلها، وأيضًا فالتوبة اعتراف بالذنب وإقرار بالذلة والمسكنة واللائق بالرحيم الحكيم التجاوز عن هذه الحالة سواء كان في الدنيا أو في الآخرة.
أجاب المتكلمون: بأن شدة اشتغالهم بتلك الآلام الشديدة يمنعهم عن الإقدام على التوبة ولقائل أن يقول: إذا كانت تلك الآلام لا تمنعهم عن هذه المناظرات، فكيف تمنعهم عن التوبة التي بها يتخلصون عن تلك الآلام الشديدة؟
واعلم أن المعتزلة الذين يقولون يجب على الله قبول التوبة لا خلاص لهم عن هذا السؤال.
أما أصحابنا لما قالوا إن ذلك غير واجب عقلًا قالوا لله تعالى أن يقبل التوبة في الدنيا، وأن لا يقبلها في الآخرة، فزال السؤال. والله أعلم.
المسألة الثانية:
قال سيبويه: {نَعَمْ} عدة وتصديق، وقال الذين شرحوا كلامه معناه: إنه يستعمل تارة عدة، وتارة تصديقًا، وليس معناه: أنه عدة وتصديق معًا ألا ترى أنه إذا قال: أتعطيني؟ وقال نعم كان عدة ولا تصديق فيه، وإذا قال: قد كان كذا وكذا.
فقلت: نعم فقد صدقت ولا عدة فيه، وأيضًا إذا استفهمت عن موجب كما يقال: أيقوم زيد؟ قلت: نعم ولو كان مكان الإيجاب نفيًا لقلت: بلى ولم تقل نعم فلفظة نعم مختصة بالجواب عن الإيجاب، ولفظة بلى مختصة بالنفي كما في قوله تعالى: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بلى} [الأعراف: 172].
المسألة الثالثة:
قرأ الكسائي {نِعْمَ} بكسر العين في كل القرآن.
قال أبو الحسن: هما لغتان قال أبو حاتم: الكسر ليس بمعروف، واحتج الكسائي بأنه روى عن عمر أنه سأل قومًا عن شيء فقالوا: نعم.
فقال عمر: أما النعم فالإبل.
قال أبو عبيدة: هذه الرواية عن عمر غير مشهورة.
أما قوله تعالى: {فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ} ففيه مسألتان:
المسألة الأولى:
معنى التأذين في اللغة النداء والتصويت بالإعلام، والأذان للصلاة إعلام بها وبوقتها، وقالوا في: {أَذَّنَ مُؤَذّنٌ} نادى مناد أسمع الفريقين.
قال ابن عباس: وذلك المؤذن من الملائكة وهو صاحب الصور.
المسألة الثانية:
قوله: {بَيْنَهُمْ} يحتمل أن يكون ظرفًا لقوله: {أذّن} والتقدير: أن المؤذن أوقع ذلك الأذان بينهم، وفي وسطهم، ويحتمل أن يكون صفة لقوله: {مُؤَذّنٌ} والتقدير: أن مؤذنًا من بينهم أذن بذلك الأذان، والأول أولى والله أعلم.
أما قوله تعالى: {أَن لَّعْنَةُ الله عَلَى الظالمين} ففيه مسألتان:
المسألة الأولى:
قرأ نافع وأبو عمرو وعاصم {أَن} مخففة {لَّعْنَةُ} بالرفع والباقون مشددة {لَّعْنَةُ} بالنصب.
قال الواحدي رحمه الله: من شدد فهو الأصل، ومن خفف {أَن} فهي مخففة من الشديدة على إرادة إضمار القصة والحديث تقديره أنه لعنه الله، ومثله قوله تعالى: {وآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الحمد للهِ رَبِ العالمينَ} [يونس: 10] التقدير: أنه، ولا تخفف أن إلا ويكون معها إضمار الحديث والشأن.
ويجوز أيضًا أن تكون المخففة هي التي للتفسير كأنها تفسير لما أذنوا به كما ذكرناه في قوله: {أَن قَدْ وَجَدْنَا} وروى صاحب الكشاف أن الأعمش قرأ {أَن لَّعْنَةُ الله} بكسر {إِن} على إرادة القول، أو على إجراء {أذَّنَ} مجرى قال.
المسألة الثانية:
اعلم أن هذه الآية تدل على أن ذلك المؤذن، أوقع لعنة الله على من كان موصوفًا بصفات أربعة.
الصفة الأولى: كونهم ظالمين.
لأنه قال: {أَن لَّعْنَةُ الله عَلَى الظالمين} قال أصحابنا المراد منه المشركون، وذلك لأن المناظرة المتقدمة إنما وقعت بين أهل الجنة وبين الكفار، بدليل أن قول أهل الجنة هل وجدتم ما وعد ربكم حقًا؟ لا يليق ذكره إلا مع الكفار.
وإذا ثبت هذا فقول المؤذن بعده {أَن لَّعْنَةُ الله عَلَى الظالمين} يجب أن يكون منصرفًا إليهم، فثبت أن المراد بالظالمين هاهنا، المشركون، وأيضًا أنه وصف هؤلاء الظالمين بصفات ثلاثة.
هي مختصة بالكفار وذلك يقوي ما ذكرناه، وقال القاضي المراد منه، كل من كان ظالمًا سواء كان كافرًا أو كان فاسقًا تمسكًا بعموم اللفظ. اهـ.

.قال السمرقندي:

{وَنَادَى أصحاب الجنة أصحاب النار أَن قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقّا} أي: ما وعدنا يعني: في الدنيا من الثواب وجدناه صدقًا {فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ} من العذاب {حَقًّا} أي صدقًا {قَالُواْ نَعَمْ} فاعترفوا على أنفسهم في وقت لا ينفعهم الاعتراف.
قرأ الكسائي قالوا: نَعِمْ بكسر العين في جميع القرآن.
وقرأ الباقون بالنصب.
وروي عن عمر أنه سمع رجلًا يقول: نَعَمْ بالنصب فقال له عمر: النَّعَم المال، وقل: نَعِمْ يعني: بكسر العين وروى الكسائي عن شيخ من ولد الزبير قال: ما كانت أشياخ قريش إلا يقولون: نَعِمْ فماتت يعني: اللغة {فَأَذَّنَ مُؤَذّنٌ بَيْنَهُمْ أَن لَّعْنَةُ الله عَلَى الظالمين} وذلك أنه ينادي منادٍ بين الجنة والنار تسمعه الخلائق كلهم إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ المحسنين ولعنة الله على الظالمين أي: كرامة الله وفضله وإحسانه على المؤمنين وعذاب الله مع عقابه على الكافرين. اهـ.

.قال الثعلبي:

{ونادى أَصْحَابُ الجنة أَصْحَابَ النار أَن قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا}
من الثواب {حَقًّا} صدقًا {فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ} من العذاب {حَقًّا} هذا قول محمد بن جرير {قَالُواْ نَعَمْ} قال الكسائي نعم بكسر العين وتجوز بإسكانها وهما لغتان {فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ} فنادى مناد منهم {أَن لَّعْنَةُ الله عَلَى الظالمين} الكافرين. اهـ.

.قال ابن عطية:

{وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ}
هذا إخبار من الله عز وجل عما يكون منهم، وعبر عن معان مستقبلة بصيغة ماضية وهذا حسن فيما يحقق وقوعه، وهذا النداء من أهل الجنة لأهل النار تقريع وتوبيخ وزيادة في الكرب وهو بأن يشرفوا عليهم ويخلق الإدراك في الأسماع والأبصار، وقرأ جمهور الناس {نعَم} بفتح العين، وقرأ الكسائي {نعِم} بكسر العين ورويت عن عمر بن الخطاب وعن النبي صلى الله عليه وسلم وقرأها ابن وثاب والأعمش قال الأخفش هما لغتان، ولم يحك سيبويه الكسر، وقال: {نعم} عدة وتصديق أي مرة هذا ومرة هذا، وفي كتاب أبي حاتم عن الكسائي عن شيخ من ولد الزبير قال: ما كنت أسمع أشياخ قريش يقولون: إلا {نعِم} بكسر العين ثم فقدتها بعده، وفيه عن قتادة عن رجل من خثعم قال: قلت للنبي صلى الله عليه وسلم: أنت تزعم أنك نبي:؟ قال: {نعِم} بكسر العين، وفيه عن أبي عثمان النهدي قال: سأل عمر عن شيء فقالوا نعم، فقال عمر: النعم الإبل والشاء، وقولوا {نعِم} بكسر العين. قال أبو حاتم: وهذه اللغة لا تعرف اليوم بالحرمين، وقوله: {فأذن مؤذن بينهم} الآية؛ قال أبو علي الفارسي والطبري وغيرهما: {أذن مؤذن} بمعنى أعلم معلم، قال سيبويه: أذنت إعلام بتصويت، وقرأ ابن كثير في رواية قنبل ونافع وأبو عمر وعاصم {أنْ لعنةُ الله} بتخفيف {أنْ} من الثقيلة ورفع اللعنة.
وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي وابن كثير في رواية البزي وشبل {أنّ لعنةَ} بتثقيل {أنّ} ونصب اللعنة، وكلهم قرأ التي في النور {أنّ لعنة الله} [النور: 7] و{أنّ غضب الله} [النور: 9] بتشديد النون غير نافع فإنه قرأهما {أنْ لعنة الله} {وأنْ غضب} مخففتين، وروى عصمة عن الأعمش {مؤذن بينهم إن} بكسر الألف على إضمار قال.
قال القاضي أبو محمد: لما كان الأذان قولًا، و{الظالمون} في هذه الآية: الكافرون، ثم ابتدأ صفتهم بأفعالهم في الدنيا ليكون علامة أن أهل هذه الصفة هم المراد يوم القيامة بقوله: {أن لعنة الله على الظالمين}. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {فهل وجدتم ما وعد ربكم حقًا} أي: من العذاب؟ وهذا سؤال تقرير وتعيير.
{قالوا نعم}.
قرأ الجمهور بفتح العين في سائر القرآن، وكان الكسائي يكسرها.
قال الأخفش: هما لغتان.
قوله تعالى: {فأذَّن مؤذِّن بينهم} أي نادى منادٍ.
{ان لعنةُ الله} قرأ ابن كثير في رواية قنبل، ونافع، وأبو عمرو، وعاصم: {أنْ لعنةُ الله} خفيفة النون ساكنة.
وقرأ ابن عامر، وحمزة، والكسائي: {أنّ} بالتشديد {لعنةَ الله} بالنصب.
قال الأخفش: و{أنْ} في قوله: {أن تلكم الجنة} [الأعراف: 43] وقوله: {أن لعنةُ الله}، وقوله: {أن الحمد لله} [يونس: 10] و{أن قد وجدنا} هي {أنّ} الثقيلة خففت.
قال الشاعر:
في فِتْيَةٍ كَسُيْوفِ الهِنْدِ قَد عَلِمُوا ** أنْ هَالِكٌ كلُّ من يَحْفَى ويَنْتَعِلُ

وأنشد أيضًا:
أُكاشِرُهُ وَأعْلَمُ أَنْ كِلاَنَا ** عَلَى ما سَاءَ صَاحِبَه حَرِيْصُ

ومعناه: أنه كلانا؛ وتكون {أن قد وجدنا} في معنى: أي.
قال ابن عباس: والظالمون هاهنا: الكافرون. اهـ.